الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرآن العظيم (نسخة منقحة)
ولا يَزَلْ شَرَابُها مُبَرَّدا.وتقول العرب: أمرتك ألا تقوم.وفي الصحيحين من حديث أبي ذر، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتاني جبريل فبشرني أنه من مات لا يشرك بالله شيئًا من أمتك، دخل الجنة. قلت: وإن زنا وإن سرق؟ قال: وإن زنا وإن سرق. قلت: وإن زنا وإن سرق؟ قال: وإن زنا وإن سرق. قلت: وإن زنا وإن سرق؟ قال: وإن زنا وإن سرق، وإن شرب الخمر»: وفي بعض الروايات أن القائل ذلك إنما هو أبو ذر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه، عليه السلام، قال في الثالثة: «وإن رغم أنفُ أبي ذر» فكان أبو ذر يقول بعد تمام الحديث: وإن رغم أنف أبي ذر.وفي بعض المسانيد والسنن عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تعالى: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني فإني أغفر لك على ما كان منك ولا أبالي، ولو أتيتني بقراب الأرض خطيئة أتيتك بقرابها مغفرة ما لم تشرك بي شيئا، وإن أخطأت حتى تبلغ خطاياك عَنَان السماء ثم استغفرتني، غفرت لك».ولهذا شاهد في القرآن، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48، 116].وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود: «من مات لا يشرك بالله شيئًا، دخل الجنة» والآيات والأحاديث في هذا كثيرة جدًا.وروى ابن مَرْدُوَيه من حديث عبادة وأبي الدرداء: «لا تشركوا بالله شيئًا، وإن قُطِّعتم أو صُلِّبتم أو حُرِّقتم».وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عَوْف الحِمْصي، حدثنا ابن أبي مريم، حدثنا نافع بن يزيد حدثني سيار بن عبد الرحمن، عن يزيد بن قَوْذر، عن سلمة بن شُرَيح، عن عبادة بن الصامت قال: أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع خصال: «ألا تشركوا بالله شيئًا، وإن حرقتم وقطعتم وصلبتم».وقوله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} أي: وأوصاكم وأمركم بالوالدين إحسانا، أي: أن تحسنوا إليهم، كما قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23].وقرأ بعضهم: «ووصى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا».والله تعالى كثيرًا ما يقرن بين طاعته وبر الوالدين، كما قال: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [لقمان: 14، 15]. فأمر بالإحسان إليهما، وإن كانا مشركين بحسبهما، وقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} الآية. [البقرة: 83]. والآيات في هذا كثيرة. وفي الصحيحين عن ابن مسعود، رضي الله عنه، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: «الصلاة على وقتها». قلت: ثم أيّ؟ قال: «بر الوالدين». قلت: ثم أيّ؟ قال: «الجهاد في سبيل الله». قال ابن مسعود: حدثني بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو استزدته لزادني.وروى الحافظ أبو بكر بن مَرْدُوَيه بسنده عن أبي الدرداء، وعن عبادة بن الصامت، كل منهما يقول: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم: «أطع والديك، وإن أمراك أن تخرج لهما من الدنيا، فافعل».ولكن في إسناديهما ضعف، والله أعلم.وقوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} لما أوصى تعالى ببر الآباء والأجداد، عطف على ذلك الإحسان إلى الأبناء والأحفاد، فقال تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ} وذلك أنهم كانوا يقتلون أولادهم كما سَوَّلت لهم الشياطين ذلك، فكانوا يئدون البنات خَشْيَة العار، وربما قتلوا بعض الذكور خيفةَ الافتقار؛ ولهذا جاء في الصحيحين، من حديث عبد الله ابن مسعود، رضي الله عنه، قلت: يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل لله ندّا وهو خلَقَكَ». قلت: ثم أيّ؟ قال: «أن تقتل ولدك خشية أن يَطْعَم معك». قلت: ثم أيّ؟ قال: «أن تُزَاني حليلة جارك». ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان: 68].وقوله: {مِنْ إِمْلاقٍ} قال ابن عباس، وقتادة، والسُّدِّي: هو الفقر، أي: ولا تقتلوهم من فقركم الحاصل، وقال في سورة سبحان: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [الإسراء: 31]، أي: خشية حصول فقر، في الآجل؛ ولهذا قال هناك: {نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} فبدأ برزقهم للاهتمام بهم، أي: لا تخافوا من فقركم بسببهم، فرزقهم على الله. وأما في هذه الآية فلما كان الفقر حاصلا قال: {نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}؛ لأنه الأهم هاهنا، والله أعلم.وقوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} كقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنزلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33]. وقد تقدم تفسيرها في قوله: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الإثْمِ وَبَاطِنَهُ} [الأنعام: 12].وفي الصحيحين، عن ابن مسعود، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أحد أغْيَر من الله، من أجل ذلك حَرَّم الفواحش ما ظَهَر منها وما بَطنَ».وقال عبد الملك بن عُمَيْر، عن وَرّاد، عن مولاه المغيرة قال: قال سعد بن عبادة: لو رأيت مع امرأتي رجلا لضربته بالسيف غير مُصْفَح. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أتعجبون من غيرة سعد! فوالله لأنا أغير من سعد، والله أغير مني، من أجل ذلك حَرّم الفواحش ما ظهر منها وما بَطَن». أخرجاه.وقال كامل أبو العلاء، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قيل: يا رسول الله، إنا. نغار. قال: «والله إني لأغار، والله أغير مني، ومن غيرته نهى عن الفواحش».رواه ابن مَرْدُوَيه، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة، وهو على شرط الترمذي، فقد روي بهذا السند: «أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين».وقوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ} وهذا مما نص تبارك وتعالى على النهي عنه تأكيدًا، وإلا فهو داخل في النهي عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن، فقد جاء في الصحيحين، عن ابن مسعود، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة».وفي لفظ لمسلم: «والذي لا إله غيره لا يحل دم رجل مسلم...» وذكره، قال الأعمش: فحدثت به إبراهيم، فحدثني عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها، بمثله.وروى أبو داود، والنسائي، عن عائشة، رضي الله عنها؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث خصال: زانٍ مُحْصَن يُرْجَم، ورجل قتل رَجُلا مُتَعمِّدا فيقتل، ورجل يخرج من الإسلام حارب الله ورسوله، فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض». وهذا لفظ النسائي.وعن أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه، أنه قال وهو محصور: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يَحِلُّ دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: رجل كَفَر بعد إسلامه، أو زنا بعد إحصانه، أو قتل نفسا بغير نفس». فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام، ولا تمنيت أن لي بديني بدلا منه بعد إذ هداني الله، ولا قتلت نفسا، فبم تقتلونني. رواه الإمام أحمد، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.وقال الترمذي: هذا حديث حسن.وقد جاء النهي والزجر والوعيد في قتل المعاهدَ- وهو المستأمن من أهل الحرب- كما رواه البخاري، عن عبد الله بن عمرو، رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل مُعاهِدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما».وعن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل معاهَدًا له ذِمَّة الله وذمَّة رسوله، فقد أخفر بذمة الله، فلا يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خَريفًا».رواه ابن ماجه، والترمذي وقال: حسن صحيح.وقوله: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} أي: هذا ما وصاكم به لعلكم تعقلون عنه أمره ونهيه.
|